العطسة المُميتة
حسن مدن
كان الرجل منهمكاً في متابعة العرض المسرحي، يراقب بغبطة وحماسة حركة الممثلين على الخشبة، حين دهمته رغبة قوية في أن يعطس، فأبعد النظارة عن عينيه، ثم استدار في كرسيه وعطس .
شعر بالحرج للصوت الناجم عن قوة العطسة، ولكنه واسى نفسه: لكل امرئ الحق في أن يعطس، كل مَن على هذه الأرض يعطسون، أهل المدن وأهل القرى، الأغنياء والفقراء، حتى النواب والوزراء .
لكنه لم يستطع مقاومة الرغبة في أن يلتفت حواليه، ليطمئن أن أحداً من الجالسين بالقرب منه لم ينزعج من عطسته، فوقعت عيناه على الشخص الجالس أمامه، وهو يمسح صلعته ورقبته بمنديل، متمتماً بكلمات غير مفهومة، وينظر إلى الخلف ليرى مَن الذي عطس .
عرف صاحبنا أن الرجل الذي طاله رذاذ العطسة جنرال كبير، وهذا ما أوقعه في حرج شديد، ومال نحو الرجل مبدياً بكل ما أوتي من تهذيب اعتذاره عن عطسته .
رد الجنرال بكلمات قليلة مُهوّناً من الأمر، من دون أن يخفي علامات الامتعاض البادية على وجهه، ما حدا بصاحب العطسة أن يضيف: أرجو أن تغفر لي، فالأمر خارج عن إرادتي، فنهره الجنرال بأن يسكت، ويتركه يتابع العرض .
دهمهُ خجل إضافي، وعاد لمتابعة المسرحية، لكن القلق لم يغادره، وما إن أعلن عن فترة الاستراحة حتى تابع خطوات الجنرال، مقترباً نحوه، وبعد تردد، خاطبه متلعثماً: "لتغفر لي يا سيادة الجنرال، فلم أكن أقصد أن أعطس عليك"، فرد الأخير بأنه نسي الموضوع، وأن عليه أن يصمت وينسى الموضوع هو الآخر .
لكن الرجل لم يستطع تحمل النظرات الغاضبة للجنرال وهو يرد عليه بصرامة، وحين عاد إلى البيت قص على زوجته ما حدث، وسط لامبالاتها بما يقول، ولكنها ردت أخيراً بأنه من المناسب أن يعاود شرح الموضوع للجنرال تفادياً لسوء الفهم.
في اليوم التالي قصد مكتب الجنرال الذي كان يغص بالمراجعين، وما إن جاء دوره حتى بادر الجنرال بالقول: "هل تتذكر سعادتك ما حدث البارحة، حين عطست من دون قصد . . إنني جئت لأعتذر مرة أخرى" .
"اخرج من هنا"، صرخ الجنرال وهو يهتز من شدة الغضب .
لم يعرف الرجل كيف عاد إلى بيته، وألقى بنفسه على السرير بكامل ملابسه، وحين وجدت زوجته أن نومه قد طال، حاولت إيقاظه، لتفزع بأنه قد مات .
تلك خلاصة قصة رائعة من قصص أنطون تشيخوف .